السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
– رواية ” قوم لا يتطهرون ” هي الرواية الثانية التي أقرئها لدكتور محمد كامل حسين والمؤلَف الثالث له بعد كتاب ” الوادي المقدس ” .
” قوم لا يتطهرون ” هي مجموعة قصصية وعددهم ثمانية , كتبهم دكتور كامل حسين على فترات متقاربة في مجلات مختلفة عدا آخر اثنين , وتم تجميعهم تحت هذا الأسم نظراً لأطول قصة بهم والتي تحمل العنوان نفسه ” قوم لا يتطهرون ” .
– في الحقيقة انا لا أحب الروايات التي تحمل تلميحات جنسية او ذات طابع جنسي , فأتذكر انني قمت ذات مرة بأبتياع رواية دون ان اعرف محتواها , فوجدتها من هذا النوع الغزير بالمحتوى الجنسي فقمت بتمزيقها والقيتها في سلة المهملات . فانا احب الروايات النظيفة الهادفة التي تحمل رسالة او عبرة , وفي هذة الحالة اقوم بضمها إلى مجموعة رواياتي .
– للأسف من الثماني قصص يوجد من بينهم اثنان يحملان تلميحات جنسية , – وإن كانوا بالطبع غير فاضحيين مثل مجموعة من الروايات الموجودة الآن والتي تجاوزت طبعاتهم ارقام كبيرة – وهما :
* جريمة شنعاء
* قوم لا يتطهرون
هذا فقط المأخوذ على المجموعة القصصية اما الباقي فلا غبار عليه .
– تبدء المجموعة القصصية بمقدمة لدكتور عزت شعلان يتحدث فيها عن شخصية دكتور ” محمد كامل حسين ” وفلسفته في الحياة وطريقة تفكيره , معتمداً في ذلك على مقولات من مؤلفاته المتنوعة .
– بالنسبة لمجموعة القصص فسأقوم بعرضهم بالترتيب مع إقتباس عبارة أعجبتني من كل واحدة منهم :
القصة الأولى : فراق – مجلة الهلال ( فبراير 1962 )
– القصه تحكي عن شابه مرحه في مقتبل العمر تزوجت من شخص بسيط . الأثنين يختلفوا في النظرة إلى طبيعة الحياة فهي تنظر إليها ببهجة وفرح وهو ينظر إليها نظرة مليئة بالصعاب والمعاناه , رزقوا ذات يوم بولد أكتشفوا بمرور الوقت مدى ذكائه فكان هو محور إهتمامهم اﻷول وهبة الله التي عوضتهم عن ما في الحياة من ألم . وفي يوم من الأيام حدثت فاجعة ادت إلى تلك المقولة : ” وضجرت ابنتها من حديثها ذلك . ثم طلب إليها الطبيب تأتي بشئ من الصيدلية يعمله لأمها . فلما خرجت وخرج أخوها رأت الأم مجالاً فسيحاً للحديث مع هذا الطبيب الذي لم يعرفها من قبل .
_ انا مسرورة . لا أشكو . هم عملوا كل ما يستطيعون لي . الحمد لله . المنزل حسن لا بأس به . فيه شمس كثيرة . أرضه خشب جميل . أنا لا أشكو أنا لا أشكو . . يريدون مني أن أنسى . ماذا أعمل . ولكن الفراق صعب .
ودمعت عيناها قليلاً . ومسحت دمعتها بمنديل من ” شنطتها ” التي هي هدية أبنتها لها . وأشرقت أسارير وجهها فجأة وقالت :
_ أنا لا أشكو . انهم يبذلون كل جهدهم . ربنا يخليهم . ويخليك يا ابني لشبابك ويخليهم لشبابهم .
القصة الثانية : جريمة شنعاء – مجلة الهلال ( مارس 1962 )
– تحكي هذة القصة عن شاب في العشرين من عمره كان نتيجة للزنا بين أمه وبحار في ميناء , هذة الأم سيئة الخُلق كانت تُعامل هذا الشاب منذ ان كان طفلاً بقسوة و عنف ولم تشفق عليه حتى عندما كان يتعرض للمرض إلى ان وصل لهذا العمر , كان هذا الشاب يعمل في منجم للفحم وكان لا يألف الناس ولا يوجد لديه أصدقاء يشكو إليهم عند كربه , ولا شئ يخفف عنه من تعب الحياة المستمر . أغلب وقته كان يقضيه جالساً على صخرة بجوار كنيسة , وبداخلها كان لا يألف نظرات الناس لثيابة الرثة المهلهله المتثخه المُقطعه , وعلى الرغم من ذلك كله كان يحمل بين طيات نفسه شخص رقيق محباً لفعل الخير . وفي يوم عيد الميلاد حدث موقف غير سير حياة هذا البائس تماماً , فكانت هذة الفقرة : ” وسيق إلى المشنقة بعد ذلك وهو لا يدرى ولا يحس ولا يعي . وجاءه قسيس السجن يلقي عليه عظه لا معنى لها ولا طعم . ونظر إليه الشاب وهو يزدريه وأشاح بوجهه عنه . والقسيس نفسه يكاد يغص بهذة العظه يلقيها آلياً إلى هذا الذي لا يفقه منها شيئاً وعُلق من رقبته حتى مات .
وجاء قسيس من المدينة الذي كان يراه في الكنيسة . والذي قبل منه بنساً حين قدمه إليه . وركع بجانبه . وقال :
_ إذا كان القاضي يا بني قد نسى او تناسى أن يستنزل على روحك رحمة الله كما يفعل القضاة منذ الأزل . وذلك إستفظاعاً لجرمك فإني ادعو لك أن يرحمك الله . فرحمته أوسع من عدل الناس . وإنك يا بني لم تكن شريراً . بل كنت فيك جذور الخير فمنعوها أن تنبت في نفسك . ولم ينبت فيك الشر وإنما تركوك عطلاً من الخير فكنت نهباً للشر العارض .
حرموك كل ما تمتاز به الإنسانية ثم عجبوا أن اصبحت لا تعبأ بما يفهمونه منها . وإذا كان أحد لم يفهم حقيقة أمرك فإني لا أشك أنك إنما أردت أن تشعر ببعض ما حرمناك من شعور إنساني . والله أعلم بك منا وسيشملك برحمته .
ومن الناس من هم قريبون جداًً من النار ووجوههم شطر الجنة يبغون بلوغها ويسعون إليها . ومن الناس من قريبون جداً من الجنة وهم زاهدون فيها ووجوههم شطر النار .
القصة الثالثة : اي الطريقين أهدى – مجلة الهلال ( أبريل 1962 )
سأبدء بأول سطر من القصة وهو ” حب المظلومين أم كره الظالمين – هل يستويان ؟ ” ,
تدور محور هذة القصة حول هذة العبارة , ترى هل يستويان الأثنين في من وجهه نظرك ؟
_” خبرت الناس على أختلاف طباعهم أن في طبيعة الناس شراُ وحباً في التفوق ورغبة في الشعور بأن هناك من هم أدنى منهم . وأن لهم على هؤلاء الأدنين سلطاناُ . ومن أثر هذة النزعة الطبيعية أن يسعى كل إنسان إلى ظلم من يستطع أن يظلمهم إلا أن يحولدون ذلك حائل . ورغبتهم في الظلم . وأصبحت أنا الخوف الذي يمنع الظالمين أن يحققوا نزعاتهم الخلقية . ونجحت في ذلك نجاحاً باهراً . إني أكره الظالم أكثر من كرهي للظلم . ولا يشفي غليلي منهم إلا أن أراهم صرعى أمامي . ولو زال الظلم من الدنيا دون عنف أو قتل ما رضيِت ذلك نفسي . ”
القصة الرابعة : قوم لا يتطهرون – مجلة الهلال ( مايو 1962 )
هي أطول قصة في المجموعة القصصية و تأتي في 56 صفحة , ومحور حديثها عن المجتمع الفرنسي أثناء احتلال الجيش الألماني له , حيث هناك شاب يعيش في منطقة جبلية يدعُى روبير لديه حلم أن يذهب لباريس ويعيش حياة الأغنياء الملية بالرفاهية والبزخ الذي لم يعرفه في بلدته , حيث كل شئ متاح هناك ما دام يتوفر شرط واحد وهو الذكـاء الذي كان يتمتع به .
أنتقل إلى باريس ودخل الجامعة , وعمل بعد ذلك صحفي في جريدة يسارية مشهورة كانت هي سبيله بعد ذلك إلى الإنطلاق , ومقاومة المحتل .
الرواية كما ذكرت تحمل الطابع الجنسي , هذا ما جعلني أُخفض من نسبة تقييمي لها , ولكن سير الأحداث وتصوير المجتمع الفرنسي في هذا الوقت جميل جداً .
_يصف المؤلف باريس قائلاً : ” وباريس بلد عجيب فهي ليست عاصمة فرنسا . ولكنها حاضرة لكل من لا يستهويهم إلا الجمال و الذكاء و القوة . ومن لا يعنون إلا باللذات والمتعة . وهي حاضرة من لا يقيمون للطهر وزناً . وكل من لا يزعجهم العهر ولا تشمئز نفوسهم منه . وهي كعبة كل من لا يفهمون التحريم ومن يرون أن المحرمات ليست إلا خرافة حملها الناس منذ عهد الجهالة الأولى لا يدري أحد كيف صبر الناس عليها دهوراً طويلة . وهؤلاء كثيرون في كل أمة وكل عصر وهم في غير باريس يشعرون ببعض الوحشة او بعض الرغبة في التستر كأنهم يعدون المحرمات نقصاً على كل حال . ولكنهم في باريس يرون أنهم في غير حاجة إلى التستر , فالمحرمات فيها طبيعية والمرتكبون للآثام يجدون فيها الجو ملائماً فلا يشعرون في نفوسهم بحاجة إلى الندم أو التحرج أو الترفع . ”
القصة الخامسة : الطريد – مجلة القصة ( يونيو 1964 )
القصة تحكي عن حياة سيدنا موسى قبل أن يعلم بأنه نبي مرسل لبنو إسرائيل , كيف كانت ؟ وكيف ينظرإليها ؟ وكيف كان يبحث عن السعادة فيها ؟ .
يقول المؤلف : “ وتمثلت أمامه في تلك اللحظة حياته كلها وما فيها من اضطراب . ومرت أمام مخيلته صورها متتابعة سريعة : طفولة غير طبيعية . كان فيها موضع عطف و حنان من أمراة فرعون يشبهان عطف الأمومة وحنانها وليسا منها في شئ . وحب تقدمت به إليه نساء كثيرات ولكنه حب محدود للغاية معروف أصله وأغراضه . وكان يراه حباً قذراً . وهو شديد الإحساس بالقذارة يعانيها مهما قيل له عن لذاتها . وصداقة قامت بينه وبين شباب ذلك القصر ممن هم في مثل سنه ونشأته , ولكنها لم تكن صداقة تامة خالصة . وكان موضع ثقتهم دائماً دون أن يكون موضع سرهم أبداً , وكانوا يُعجبون به حين يفوقهم في الصيد واللعب والفتوة . وكانوا يستنصحونه ويتبعون ما يشير عليهم به . حتى إذا هموا بأمر من عبث الشباب كتموه عنه , فهم يحبون مالا يحب ولا ينفرون مما ينفر منه كأنهم يعرفون فيه من الطهر مالا قبل لهم به .”
القصة السادسة : ماء مدين – مجلة القصه ( أغسطس 1964 )
هي تكملة لبقية القصة السابقة , وفي الحقيقة أنا لا أعلم هل يجوز للكاتب أن يكتب عما يدور بخلد سيدنا موسى الذي يعتمد فيه بنسبة كبيرة على تخيله ؟
يقول كامل حسين : ” ولما كان عصر ذلك اليوم صعد إلى جوار الهيكل أطفال يلعبون ويمرحون . فلما علا صوتهم خرج إليهم وكان من قبل لا يحتمل صخب الأطفال ولا يطيق لعبهم وأقبل عليهم فرحاُ بهم كأنه لم ير أطفالاً من قبل . وهرعوا إليه فأخذ يلاعبهم ويرفعهم إلى ما فوق رأسه في سهولة , وهم يصيحون ويضحكون . وبلغ سرورهم غايته حين حمل اثنين منهم في وقت واحد بكلتا يديه .
وجرى الأطفال إلى أمهاتهم يصيحون .
_هنا رجل غريب . وهو قوي جداً جداً . ويحمل إثنين منا فوق رأسه فنلتقي في الهواء . وقال أحدهم في براءة الأطفال صراحتهم :
_ولكنه لا يتكلم كما نتكلم . ويتكلم بطئياً جداً . ويقف أحياناً عن الكلام حتى نجد له الكلمة التي يريدها . وأسرّها موسى في نفسه . وكان هذا العجز يؤلمه أشد الألم . وها هو في أول حياته الجديدة لا يستطيع إخفاء عجزه هذا حتى عن الأطفال .
ولما جن الليل نظر من نافذته الضيقة إلى الوادي . وقد سكن فيه كل شئ حتى حفيف الشجر وصوت النسيم . ورأى أمامه الجبال العالية وقد أكسبها نور القمر جمالاً خاصاً يضيئها من ناحية ويلقي ظلالها على الأرض من الناحية الأخرى ظلالاً تطول وتقصر حين تسقط في الوديان السحيقة او القريبة . ورأى قمم الجبال تخطّ لنفسها أشكالاً جميلة حين تعترض السماء المنيرة . وبهره هذا الجمال الذي لم يكن له عهد به . “
القصة السابعة : الراهبة والعجوز ( مجلة الإذاعة والتلفزيون )
رئيس أساقفه باريس , رجل مثقف وذو علم , أراد ان يزيد نفوذة ويعمل على الإصلاح بين البابا وملك فرنسا لتكتمل أركان قوة العالم المسيحي , فكان السبيل إلى هذا هو إرجاع راهبات أحد الكنائس عن الهرطقة التي يعتقدونها في مذهبهم الذي لا يرضى البابا عنه . فكانت المواجهه بين عجوز الكنيسة وهذا الأسقف التي تغلبت فيها بساطة التفكير على قوة العلم .
_هذا بالظبط ما كنت تفعله بالسيد المسيح في مثل هذا الموقف . إننا نحب الولاء لرؤسائنا لأننا نعرف براءتهم . وأنت تدّعي الولاء لرؤسائك طمعاً في جزائهم حين تنجح , وخوفاً من عقابهم حين تخفق وأنت تعلم أنهم مرتبكون .
_لم أر في حياتي عجوز وقاحة كوقاحة هذة العجوز الجاهله .
_إن مملكة السماء للجهال الفقراء والضعفاء والخاشعين والرحماء . والذين في قلوبهم الطهر الداعين إلى السلم . والمعذبين في سبيل التطهر .
_سيحرمك البابا من حقوق المسيحية ورحمة الله .
وهنا قالت العجوز:
_لأن أسير مع زميلاتي إلى جهنم خير من أن أسير مع أمثالكم إلى الجنة . إن الشيطان يتحدث إلينا من شفاههم وينظر إلينا باعينهم . لا توقعي يا سيدتي .
القصة الثامنة : الأسخريوطي – مجلة الإذاعة والتلفزيون ( 7 فبراير 1976 )
شنق نفسه عندما أحس بالذنب . عندما أحس بأنه خان أطهر رجل على وجه الأرض في زمانه . عندما تأكد أن الإنسان لا يستطيع أن يبلغ حد الكمال . إنه ” يهوذا الأسخريوطي ” .
يقول الكاتب : ” وليس في الإحساسات العميقة شئ أقسى على الإنسان من شعورة بأحتقار نفسه . وزاد من آلامه ما كان يرغب فيه من الكمال النفسي الذي أدرك أنه أصبح بعيداً عنه كل البعد . بل لعله أحس أنه لم يعد له سبيل إلى هذا الحلم الجميل حلم الكمال الخلقى . ”
– أعجبتني القصص وأستمتعت بها , واسلوب دكتور كامل حسين الفلسفي جعلني اندمج مع الروايات بصورة كبيرة .