لا إله إلا الله عقيدة وشريعة ومنهاج حياة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كتاب أكثر من رائع للرائع محمد قطب حفظه الله وشفاه وواحد من مؤلفاته المميزة، يتحدث فيه عن عدة جوانب من مقتضيات “لا إله إلا الله” لا يعلم عنها الكثير من المسلمين شيئًا.
دفع محمد قطب لكتابة هذا الكتاب شعوره بأنه يريد الكتابة أكثر عن معنى “لا إله إلا الله“؛ ليضيف لمؤلفاته السابقة المزيد من التوضيح لهذا المعنى، ولكنه ذكر بأنه هذه الجوانب هي جزء فقط من مقتضيات “لا إله إلا الله” وليست إحاطة كليه في هذه الموجزات البسيطة في هذا الكتاب.
يلقي المؤلف الضوء على هذه الجوانب المختارة من مقتضيات الشهادة أو قل تبعات أو مستلزمات الشهادة، فكثير من المسلمين في وقتنا الحاضر -للأسف- ينطقون الشهادة باللسان فقط، ويغيب عنهم معناها الحقيقي وواجبتها المفروضة عليهم والتي ليست من سبيل التفضل بل هي فروض.
يُقسم محمد قطب الكتاب إلى: المقدمة، ثم “المقتضيات” ويندرج تحتها “سبعة” مقتضياتـ، ثم يعرض للإنحرافات التي طرأت على مفهوم الشهادة “لا إله إلا الله” من ناحية تاريخية، ثم يسرد بعضًا من نواقض الشهادة، ويختم بواجبات الصحوة الإسلامية نحو الشهادة.
يقول محمد قطب في مقدمة الكتاب: “والذي أردت إبرازه في هذه الصفحات أنلا إله إلا الله” لا تنحصر في تلك المجالات التي تعودنا أن نتحدث فيها، سواء مجال الأعتقاد، أو الشعائر التعبدية، أو تحكيم الشريعة، على كل الأهمية التي جعلها الله لهذه المجالات الثلاثة -إذ جعل نقضها أو نقض أي واحد منها نقضًا لأصل لا إله إلا الله إنما هي كما أنزلها الله شاملة شمولًا حقيقًا لكل مجالات الحياة، ما كبر منها وما صغر، وما بدت صلته ظاهرة بلا إله إله الله، وما خفيت صلته على بعض الناس، أو على كثير من الناس ! وتكفي هذه الآية الكريم وحدها للدلالة على ذلك:
{قُلْ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ ..}”
ويقول في موضع آخر: “إن الله لم ينزل لا إله إلا الله لتكون كلمة تنطق باللسان. إنما أنزلها؛ لتشكل واقع الكائن البشري كله، لترفعه إلى المكان اللائق به، الذي فضّله الله به على كثير ممن خلق. ترفعه من ثقلة الشهوات اللاصقة بالطين، أو ثقلة الضرورات التي تقهر الإنسان وتكله لطغاة الأرض المتجبرين.
يتطرق بعد ذلك المؤلف بعد الانتهاء من المقدمة إلى صلب موضوع الكتاب وهو الحديث عن مقتضيات الشهادة، والتي قسمها إلى:
– مقتضى إيماني  – مقتضى تعبدي  – مقتضى تشريعي
  – مقتضى أخلاقي  – مقتضى فكري  – مقتضى حضاري  – مقتضى تعبيري
قد يكون المقتضى الإيماني والتعبدي معروفان عند الناس، بل قد يكونا هما المقتضيان الوحيدان اللذان يعتقد الناس بأنهم هم معنى “لا إله إلا الله“، ولا يأتي التفكير في المقتضى التشريعي -تحكيم الشريعة- أو الأخلاق، أو منهج الفكر، أو بناء الحضارة، أو مجموعة البشر تحمل المقتضى التعبيري لتبليغ معنى الشهادة الحقيقي,
يوضح محمد قطب في المقتضى التشريعي أن تحكيم الشريعة مقتضى أساسي ورئيسي في قضية لا إله إلا الله، ويغيب هذا المفهوم عن كثير من الناس، ويرفضه تمامًا أصحاب المذاهب الفكرية -الأيديولوجيات- مثل العلمانية والليبرالية والاشتراكية، حيث يقول قطب في هذا: “قضية التشريع قضية ذات صلة مباشرة بقضية بالألوهية … وهي ليست مرتبطة معها برباط واحد، وإنما برباطين اثنين في آن واحد …” ثم يتسرسل في شرح هذه الجملة وقضية الترشيع وعلاقتها بقضية التوحيد.
أما المقتضى الأخلاقي ففيه يربط فيه قطب الأخلاق بالعقيدة ! وقد يستغرب البعض من هذا الربط، فكل الناس يعتقد بأن الأخلاق ليس لها علاقة بالعقيدة، إنما هي سجية يتمتع بها كل إنسان فاضل بغض النظر عن دينه، ولكن قطب هنا يعرض لقضية ارتباط الأخلاق بالعقيدة الإسلامية؛ من خلال مجموعة من الآيات القرآنية الكريمة والتي منها: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ .فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، وحديث للرسول صلى الله عليه وسلم، فيذكر حديث: “{أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، و من كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر}.
والنفاق قضية متعلقة بالعقيدة، والكذب والغدر وخلف الوعد والفجور قضايا أخلاقية، فكانت صلة الأخلاق بالعقيدة صلة وثيقة وبديهية.”
أما المقتضى الفكري، فتكلم فيه عن ضرورة وضع منهاج فكري لكل مسلم يزن به كل شيء في حياته، يكون نابعًا من الكتاب والسنة، ليكون العالِم المسلم، والطبيب المسلم، والمهندس المسلم والمفكر المسلم. يقول في هذا:
“إن هناك مقتضى فكريًا لـ لا إله إلا الله يجعل المسلم يفكر بمنهج معين، لا يختلط بمناهج التفكير الجاهلي، وإن التقت بعض جزيئات تفكيره مع أفكار غيره، فيما يتعلق بالحقائق العلمية والتجارب المعملية، ولكن المسلم يتناولها بطريقته الخاصة، وبعطيها تفسيرها المستمد من مقررات الكتاب والسنة.

أما العلوم التي تتصل “بالإنسان” .. وتعتمد أساسًا على التصور الذي نتصوره عنه، فالمسلم ينفرد فيها بتصوره الخاص، المستمد من الحقائق المذكورة عن الإنسان في كتاب الله : أنه قبضة من طين الأرض ونفخة من روح الله . وأنه نشأ إنسانًا من أول لحظة، ولم يكن قط حيوانًا ثم تطور.

بهذا المنهج الفكري يتكون لدينا المفكر المسلم والعاِلم المسلم، والأديب المسلم والباحث المسلم .. وقد كان هؤلاء جميعًا موجودين في الأمة الإسلامية بكثافة ملحوظة حين كانت هذه الأمة متمسكة بدينها .. فلمّا غفلت عن دينها قلت كثافتهم حتى كادت تذهب ..
المقتضى الحضاري وتحدث فيه عن ضرورة ومقتضى أساسي من أسس الشهادة، وهو بناء حضارة إسلامية تجمع بين الروح والجسد، متقدمة ماديًا وتكنولوجيًا وروحيًا. يقول حفظه الله:
الحضارة الحقيقة إذن هي التي تعمّر الأرض بمقتضى المنهج الرباني. هي التي تجمع أمر الدنيا والآخرة. أمر الجسد والروح. أمر العمل والعبادة .. هي التي تأخد الإنسان كله، بحسياته ومعنوياته، بنشاط جسده ونشاط عقله ونشاط روحه. بإبداعه في عالم المادة وارتفاعه في عالم القيم .. هي حضارة “الإنسان” في أفقه الأعلى .. يدب على الأرض بقدميه، وقلبه معلق بالسماء ..
وقد كانت كذلك الحضارة الإسلامية حين كانت الأمة في أوجها ..
ما من مجال من مجالات النشاط الخيّر إلا خاضه المسلمون .. بناء المدن. تعبيد الطرق. السياحة في الأرض لكشف مجاهيلها. استغلال ما سخّر الله للناس من طاقات السماء والأرض في البناء والتعمير. التقدم العلمي. التهذيب الخلقي. الصدق. الأمانة. الجد والجلد والمثابرة .. وكل الخصال التي تنشيء أمة عظيمة ..
والمقتضى الأخير وهو المقتضى التعبدي، وفيه تحدث عن ضرورة تكوين طائفة من البشر متفقهين في الدين يدافعون عن الإسلام ممن يجيدون التعبير؛ وذلك كفرض كفاية للأمة : {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
بعد الأنتهاء من المقتضيات ينتقل المؤلف شفاه الله إلى الإنحرافات التي طرأت على مفهوم التوحيد، ثم نواقض لا إله إلا الله ويعرضها؛ معتبرًا أن نقض الجانب التعبدي أو العقدي أو التشريعي هو نقض لـ لا إله إلا الله كلها:
يحسب كثير من الناس -بتأثير الفكر الإرجائي- أن لا إله إلا الله إذا قيلت تظل لاصقة بصاحبها عمره كله، لا تسقط عنه مهما قال ومهما فعل، إلا أن يأتي عملًا واحدًا معينًا، وهو أن يعلن بملء فيه أنه كفر بالله ورسوله، وكفر بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-!!
وذكر في النهاية أن من واجبات الصحوة الإسلامية زرع معنى لا إله إلا الله في قلوب الناس حتى تصبح حقيقة حية في نفوس الأمة.

أضف تعليق